التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ابله بدور


 تحمل الحياه معها أيام وسنين نظن أنها طويلة والحقيقة أنها مرتبطة بمشاعرنا التي تجعل منها ساعات وليال قد تطول أو تقصر.


 يتخلل هذه الحياه أحداث تحتاج لروايات وكتب لنجمعها بها ولتكون ذات ثراء في التفاصيل أكثر من السرد القصصي البسيط الذي أخرجت بصيصه هنا وهو من الذاكره لفتاة جامعية مغامره وهادئة جداً في ذات الوقت تحمل خيال واسع ملؤه حب الاكتشاف والتحدي، قررت الطالبة "بدور" في السنة الرابعة من المرحلة الجامعية أن تعمل معلمة للأيتام فكانت تخرج الساعة الثانية ظهراً من الجامعة إلى ما يسمى آنذاك بالملجأ "الدار" أو سكن الأيتام مجهولي الهوية وتعيد تدريس ما يتعلمه هؤلاء الاطفال فترة الصباح في مدارسهم حيث تبدأ في استقبالهم بعد عودتهم من المدرسة ومساعدتهم فيما تعلموه وتلتقي بهم في الفصل المخصص للتدريس بالدار كل مساء من كل يوم حتى الساعة الثامنة ليلاً وتعمل على تقسيم المراحل الدارسية واستعادة ما تعلموه وحل الواجبات وعمل بعض الأنشطة المدرسية. هناك بعض الاسماء للاطفال الذين درسوا معها مثل ( هيفاء، ليلى، منيره، علي عبدالسلام، محمد خليفة، بثينه، مي، احلام، سميه، أحمد خالد) وغيرهم كانت لحظات وأيام يتخللها المرح والجدية واللعب والدراسة والتنزه والرحلات، فبقيت "ابله بدور" بهذا الاسم طوال فترة عملها كما يناديها الجميع بذلك من - أطفال وموظفات ومديرة الدار- ويظنون بأنه اسمها الحقيقي وقد تكون غفلت المديره عن العوده للتأكد من أسم الموظفة من خلال أوراقها الرسمية.


استمرت "بدور" تمثل دوراً غامضاً تجاه نفسها لكنها تفاصيل احبتها بالرغم من تداخل الألم بالفرح والخيال بالواقع استمرت عاماً في التدريس "بالدار" تحمل فيه رصيداً من ذكريات متباينة لحين تخرجت من الجامعة وانتقلت لتصبح معلمة في مدرسة خاصة وبعدها تعددت مجالات الوظائف في عدة قطاعات.


مر ١٥ عام بعد مغادرة "ابله بدور" لدار الايتام وانشغالها بين الإعلام والكتابة والوظيفة وتأسيس مجموعة لناشطين في العمل الخيري تجمع فئات مختلفة من محبي العطاء وكانت أحد العضوات فتاة يتيمة تشارك مع الجميع وفيما يخص هذه الفتاة اتصلت والدتها التي احتضنتها منذ طفولتها لتتحدث عبر جهاز الجوال الى  "ابله بدور" وتخبرها أن شاباً وسيماً ويتيماً من الدار تقدم لطلب الزواج من ابنتها المحتضنة وأشارت الى  اسمه "محمد خليفة" فعصفت رياح السنين تلك الذاكره المثقلة ل "بدور" لتستعرض في دقائق الاسم الذي بدا وكأنه يتردد بصوت خافت يخرج من عمق لا حدود له ويتكرر داخل العقل الباطن واستمرت في صمت مرتبط بالذاكره لكون السيناريو لفترة زمنية قضتها في الدار تحتاج لنفض الكتمان ولبوح وتعبير مسترسل يخرج من خلف حائط ذاكره تدفن داخلها أسرار وصور وخيالات كثيرة لتقف نصب عينيها أحداث تستوجب صياغة التعبير والتحدث بها وكأنها وليدة اللحظة.


سألت المحتضنة للفتاة "ابله بدور" هل تعرفينه.! حدثيني عنه.! هل هو مناسب !!! بعدها حدثت "بدور" نفسها هل أتأمل معها حكايتي في الدار .! وتفاصيلها .! أم أخبرها عن مرور ١٥ عام ليكون فيها الطفل شاباً.! أم هو شعور الأم بابنها الذي كبر .! أو لعلها مشاعر مرتبطة بالفتاة اليتيمة ضمن مجموعتهم والتي تساهم في الأعمال الخيرية وإسعاد الآخرين .! أن شعور اللقاء بعد مايقارب ١٥ عام بين "ابله بدور" والطفل ذو العشر سنوات يتحدث عن عمقه الصمت وتثير الثرثرة فيه ابجدية الكتمان انها لحظة تعبيرية تجمع المفردات كمن يمسك الغيوم بقوة وبكلتا يديه فتتلاشى تراكمات الغيوم بين اصابعه.


بدرية الجبر "بدور".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دعوها تهاجر ولا تهرب

أخذت هاشتاقات الحقوق النسوية والهاربات إلى دول أخرى صعود إعلامي كبير ينهل محتواه من تغريدات ومقاطع بث  ومطالب تصل إلى "ترندات" مثيره للاشمئزاز . المتابع لصعود هذه الهاشتاقات يجد أنها عناوين متجدده لنفس القضية  الواحدة تأخذ طابع السيناريو وتتبعها قصه لكل هاربة فتجعل المجتمع يتابعها كحلقات مسلسل متتالية تظهر في  أوقات متفاوتة بين الحين والآخر ويترقب المتابع جديدها بينما لايوجد من جديدهن من وصلت إلى مرحلة الإنجاز لذاتها  قبل أن يكون لمجتمعها ودولتها فلا يوجد منهن من حققت العيش الكريم الذي كان سبب هروبها.    لن أدعي المثالية لمجتمعنا لكن قد يكون بعض مسببات الهروب حقيقة وجميع الأسباب أدت للحادثة والتي نخشى أن  تتحول لظاهره حين تُستغل المُسببات التي تشير أنها خارج إطار الحقوق المفترضة لتصبح في سياق البنود والمؤشرات  التي تعطي حق اللجوء والهرب.   من هنا أود الإشارة لأمرين الأول: هل دولتنا على استعداد لتجهيز دور مخصصة للمشكلات الاجتماعية في ظل التغيرات  المجتمعية جميعنا يعلم أن الروابط الأسرية ونوع المشكلات الأسرية تختلف من زمن لآخر ...

مقال بعنوان : استضعفوك فوصفوك هلّا وصفوا شبل الأسد

 بقلم : الكاتبة السعودية والإعلامية بدرية الجبر  عندما تأثرت الميزانية المالية وتصدعت من زلزال الطمع والسرقات كان لابد من وضع نظريات وأسباب تأثرها لمحاولة انقاذ القيّم وشرف المهنه من مرحلة عار العجز والنهوض مجدداً لتحقيق الرؤى والأهداف وإعادة سد الاحتياج بدعم منصة التمويل داخل المنشأة سواء كانت في شركة أو غيرها ، ولكونها مرحلة تعتبر من اصعب المراحل في جميع القطاعات والجهات والمجموعات العاملة فلابد من نشاط "أصبع الاتهام" التي تتجول في مرافق الهيكلة الإدارية من رأس الهرم إلى القاعدة وينتهي الأمر بتوجيه العجز وتدهور الميزانية المالية وفشل جميع خطط الإنجاز بالإشارة للموظف البسيط والتخلص منه ليتم طي هذه الصفحة على عجالة وجذب طاقة الهمه والانتصار ليستشعر الجميع بثمة عقبه ومرحلة زمنية مرت فيها المنشأة و أستطاعوا اللصوص أن ينقذوا موقف العجز، وبلاشك أن النجاه لكل شخص من هذه المواقف التي تحصل في كثير من القطاعات وبمختلف المجالات يؤثر على كلمة الحق ويكتفي الشخص بسلامته من الإتهامات ويلزم الصمت ليدخل لسلم المعيشة والترقيات  قد يبادر لذهن القارئ دور الجهات الرقابية ! إلا أن بعضها ...

أقنعة بلا روح

بقلم : بدرية الجبر  عِنْدَمَا يُصَابُ الْإِنْسَانُ بِوَعكه صِحيِّه يَتَّجِهُ لله تَعَالَى ثُمَّ لِكُل ما في الطَّبِيعَةَ وَ يَتْرُكُ المَأْكُولَات باشكالها وَ أَلْوَانهَا وَيَلْجَأُ للإستشفاء بَعْدَ اللهِ تعالى بِالأَطْعِمَة الصِّحية و الْأَمَاكِن المفتوحه و الهَوَاءَ النَّقِيَّ وَهَذَا الأَصْل يُعْتَبر قَاعِده ثَابِته فِي " زَمَنَ الْمُلَوَّثَاتِ مِنَ الْأَغْذِيَةِ الغيرِ صحيَّةَ " و هُوَ تَمَامَا ما يحدث فِي دَهَاليزِ التَّجْمِيلِ وَالْأَنَاقَةِ فِي " زَمَنَ الأقنعة"، لقَدْ كثْرٌ فِي الآونه الأخيره اِسْتِخْدَامَ أَقْنِعَةِ التَّجْمِيلِ بِشَكْلِ خَطِيرِ جِدًّا يَتَجَاوَزُ المَرْحَلَةُ الْأوْلَى التي دَخْل فِيهَا النَّاسَ للتَّصْلِيح وَالتَّعْدِيل وَالتَّنْظِيف و اصلاح مَا افسده الدَّهْرَ، إِلَى حَيْثُ مَرْحَلَةٍ تَبْرُزُ حَالَةُ مَرَضِيَّةُ يَبْحَثُ فِيهَا المَرِيضُ رَجِلًا كَانَ أَو امْرأَة عَنْ عَمَلِيَاتِ تَحْدِيدٍ و تَضْخِيمِ و فَكٍّ و تَرْكِيب و شَفْط و نَفَخَ و نحْت تَحْتَ مُسَمَّى " رِتُوشَ التَّجْمِيل" لَيْسَ لِتَصْلِيحُ مُشَكَّلَة صِحِّيَّة تُؤْث...